Translate

الخميس، 28 مايو 2015

الفصول التعليمية الخاصة للأطفال ذوي المشاكل السلوكية.. وأثرها النفسي


إدماجهم في الصفوف العامة أفضل تأثيرًا في صقل مهاراتهم الاجتماعية
القاهرة: د. هاني رمزي عوض
تعتبر تجربة الحضانة أو بداية الدراسة من التجارب الاستثنائية جدا في حياة الطفل والوالدين على حد سواء، ولا تقل مخاوف الآباء عن مخاوف الطفل في اليوم الدراسي الأول، حينما يودعون طفلهم في إحدى الحضانات، أو العام الدراسي الأول. وفي الأغلب ينصب قلق الآباء على كيفية تأقلم الطفل مع بيئة جديدة تماما يلتزم فيها بقواعد محددة ويتعامل مع العديد من الأقران.
وبطبيعة الحال يتضاعف القلق في حالة الطفل الذي يعاني من مشكلات سلوكية ونفسية وطريقة تعامله مع أقرانه، وإمكانية تكوين أصدقاء منهم، خاصة أن الأصدقاء يلعبون دورا كبيرا في حفظ الاتزان النفسي وتخفيف حدة التوتر والقلق للطفل، وأيضا يعتبرون من العوامل القوية لمقاومة الاكتئاب، خاصة أن هؤلاء الأطفال لديهم مشاكل من الأساس في التعامل مع الآخرين والمهارات الاجتماعية اللازمة لتكوين أصدقاء.

فصول تعليمية خاصة

وكان رد فعل المدارس هو تخصيص فصول (صفوف) خاصة لهؤلاء الأطفال لتلقي تعليمهم، في محاولة منهم لجعل حياة الطلاب أقرب للطبيعية في وجود أقران متشابهين يمكنهم تكوين صداقات معهم تساعدهم في الدراسة والحياة.
وعلى عكس تلك الفرضية، أشارت التجربة التي قام بها علماء من جامعة فيرمونت بالولايات المتحدة الأميركية، ونشرت في نهاية شهر أبريل (نيسان) من العام الحالي في دورية «دراسات في تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة» (Topics in Early Childhood Special Education)، إلى أن تخصيص فصول خاصة لهؤلاء الطلاب لا يضمن بالضرورة تكوين صداقات حميمة، وفي المقابل يمكن تكوين تلك الصداقات من خلال دمجهم في عمل عام، وإشعارهم بأن لهم دورا في فريق عمل علمي أكثر من برامج تعليمية مخصصة لهؤلاء الأطفال فقط.
وقامت الدراسة بعمل مقارنة بين مجموعة معينة من الطلاب وتتبعهم في مهمة تشجع على الصداقة (من دون دراسة علمية)، مثل التظاهر بأن هؤلاء الأطفال يديرون متجرا أو مطعما، ومجموعة أخرى من الطلاب اشتركوا في عمل محدد القواعد والنتائج مثل بناء عش لعصفور صغير تبعا لأسس معينة.
وظهر الفريق الذي يحتوي على مجموعة الطلاب من دون وضع تصور مسبق عن كيفية إدارة المطعم أو المتجر من دون خطة عمل واضحة، ومعظم أفراد الفريق لم يتمكنوا من مجاراة اللعبة بالشكل المناسب سواء في اختيار الشخصيات الخاصة بإدارة المطعم أو التعامل مع المتطلبات لإتمام المهم. وأشار الباحثون إلى أن هذا نابع من عدم قدرتهم على تكوين صداقات تساعد كلا منهم في مشاركة الخبرات. وأوضح الفريق أن المهارات الاجتماعية تحتاج لنموها وتنميتها القبول من الآخرين ووجود صديق مقرب واحد على الأقل.

اندماج أفضل

وكان الأطفال الذين أظهروا أكبر قدر من مشكلات التواصل والخلل السلوكي هم الأطفال الذين لم ينجحوا في تكوين صداقات حميمة. وأوضح الفريق البحثي أنه كي يزيد من فرص الأطفال أصحاب المشاكل السلوكية في تكوين صداقات يجب أن نعمل لخلق بيئة محفزة لهم وتدعم القبول المجتمعي من الأقران، حيث إن إحساس الطفل الذي يعاني من مشاكل سلوكية بالأمان في ظل قيادة معينة ورؤية واضحة لإتمام مهمة معينة يزيد من طاقته ويحفزه للعمل.
وأشار الباحثون إلى أنه خلافا لاعتقاد الآباء والمدرسين على السواء أن إدراج هؤلاء الطلاب في فصول عادية يمكن أن يزيد من حالتهم سوءا بسبب المخاوف من سخرية أقرانهم فإن وجود الطفل في بيئة طبيعية يزيد من قدرته على التواصل مع الآخرين وبالتالي يزيد من حجم الإنجاز الموكل إليه، خاصة في مهمة محددة سلفا.
وبطبيعة الحال يجب أن تتم مراقبة هذه الفصول مراقبة دقيقة، حيث إن تلك المخاوف يمكن بالفعل أن تزيد من حالة الطفل سوءا إذا تمت السخرية منه من دون رقابة مدرسية ومن دون تعليم كاف لبقية التلاميذ من الأطفال الطبيعيين، خاصة أن الأطفال في هذه السن المبكرة لا يميلون إلى السخرية من الأقران الذين يعانون من صعوبات في الكلام أو تلعثم أو ما شابه، ورغم إدراكهم لاختلاف هؤلاء الأطفال عنهم فإنهم في الأغلب يستطيعون فهمهم.
وكانت دراسة إنجليزية حديثة سابقة نشرت في شهر مارس (آذار) من العام الحالي أشارت لنفس الموضوع، وأوضحت أنه رغم أن بلدا مثل الولايات المتحدة يمتلك أفضل البرامج المتخصصة في تعليم هؤلاء الأطفال، ولديه العديد من الوسائط الحديثة التي تضمن أفضل جودة ممكنة من التعليم لهؤلاء الأطفال، فإن الخطأ الحقيقي هو فكرة الفصول الخاصة نفسها والأثر النفسي الذي تتركه في نفسية الطفل وأنها تزيد من إحساسه بالاختلاف وربما العجز، وإن خلق بيئة طبيعية يكون مفيدا للطلاب، خاصة بعد أن أوضحت هذه الدراسة أن الوجود في الفصل نفسه لا يضمن تكوين صداقة حميمة تمكن الطفل من تنمية مهارته الاجتماعية.
وبطبيعة الحال هناك العديد من المشاكل في دمج هؤلاء الأطفال في الفصول العادية، ومنها المدرسون العاديون أنفسهم، خاصة أن معظمهم يمكن ألا يكونوا مؤهلين علميا للتعامل مع هؤلاء الأطفال، خلافا للمدرسين الذين يجيدون التعامل مع هؤلاء الطلاب الذين يكونوا مؤهلين على المستوى العلمي، لأن طريقة الشرح للطالب العادي تختلف عن الطالب الذي يعاني من مشاكل سلوكية، كما أن الأمر يمكن ألا يكون مقبولا من الآباء. لكن الأمر بالتأكيد يحتاج إلى مزيد من الدراسات لموازنة المكاسب والسلبيات الناجمة عن مثل هذه الدراسة.

* استشاري طب الأطفال

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق